أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حفظه الله، أمراً للوزارات والدوائر الحكومية والجهات المختصة ذات الصلة، بأن تتم معاملة أبناء المواطنات المتزوجات من أجانب، أسوة بالمواطنين، كما يقضي الأمر بمنح أبناء المواطنات المتزوجات من أجانب الحق في التقدم للحصول على جنسية الدولة حال بلوغهم سن الثامنة عشرة. ويأتي هذا القرار التاريخي ليدخل الفرحة والبهجة على كافة الفعاليات النسائية والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، غداة احتفالات الدولة باليوم الوطني الأربعين. وتاريخية القرار تأتي من كون دولة الإمارات، أول دولة خليجية تمنح أبناء المواطنة المتزوجة من غير المواطن، كافة الامتيازات. فما أعظمها من هدية لهذه الأم المواطنة في يوم الفرحة العامة! بهذا القرار تكون دولة الإمارات، خامس دولة عربية بعد تونس والجزائر والمغرب والعراق، تقر هذا الحق الذي يسهم في تحقيق المزيد من المكاسب للمرأة الإماراتية ويعمل على تمكينها في مختلف المجالات المجتمعية، ولا أدل من أن المرأة الإماراتية أصبحت اليوم تشغل أربعة مقاعد وزارية في مجلس الوزراء، مما يعد من أعلى النسب تمثيلاً على المستوى العربي، وكانت تتمثل بتسع عضوات في المجلس الوطني الاتحادي في دورته السابقة، من بين أعضائه الأربعين وبنسبة 22.3 بالمئة، والتي تعد أيضاً من أعلى النسب علي صعيد تمثيل المرأة في المؤسسات البرلمانية. كما أصبحت المرأة الإماراتية، نتيجة للجهود الدؤوبة والمتواصلة لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، تشكل مكوناً فاعلاً في خريطة القوى البشرية في القطاع الحكومي، حيث تشغل 66 في المئة من الوظائف الحكومية، من بينها 30 في المئة من الوظائف القيادية. ودولة الإمارات إذ تجدد "روح الاتحاد" في يومها الوطني، بعد أربعة عقود من مسيرة التجربة الاتحادية المتميزة، فإنها تسعي بكل جهد لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية كخيار وطني ثابت لا رجوع عنه، وتأتي الانتخابات التي أجريت مؤخراً لاختيار نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي لفترة أربع سنوات في هذا الإطار، كما يأتي القرار الجديد بمعاملة أبناء المواطنة المتزوجة من غير المواطن ومنحهم الجنسية، ليحقق الهدف نفسه عبر تعزيز روح الانتماء الوطني في نفوسهم وإفساح المجال أمامهم للمشاركة في خدمة الوطن. المرأة الخليجية تشارك بفعالية في خطط التنمية، وهي شريكة كفؤة، ولها مطالب عادلة، وكان من أبرز مطالبها مساواتها بالرجل في حق منح الجنسية لأولادها، وبخاصة إذا تزوجت من غير المواطن، لأنها هي التي ترضع الولاء والانتماء وتغرسهما في نفوس أطفالها. والدستور في دول مجلس التعاون قد كفل لها هذا الحق، لكن تشريعات الجنسية حالت دونه، وها هو القرار الإماراتي التاريخي ينصف المرأة الخليجية ويحقق لها مطلبها العادل، ونأمل أن تقتدي بقية دول مجلس التعاون بدولة الإمارات في هذا الحق العادل. والقضية لا تقتصر على المطلب العادل للمرأة الخليجية ولا على تعزيز روح الولاء والانتماء في نفوس أبناء المواطنة المتزوجة من غير المواطن، بل لها بعد استراتيجي أعمق، وهو معالجة خلل "التركيبة السكانية" والتي هي همٌ خليجي كبير. الخليجيون أقلية وسط محيط بشري كثيف مختلف في عاداته وثقافاته ولغاته ومصالحه وهوياته، فكيف نعالج هذا الاختلال ونحدّ منه؟ أليس تجنيس أبناء الأم المواطنة المتزوجة من غير المواطن هو السبيل الأسلم والأوفى والأضمن؟ هؤلاء الأبناء ولدوا في هذه الأرض ونشأوا عليها وتشربوا الموروث الثقافي وامتصوه عبر أمهاتهم وتبرمجوا عليه، فهم الرافد الأثمن لتعزيز الهوية الخليجية وتعديل التركيبة السكانية، فليسارع الخليجيون إلى تجنيس أبناء الأم الخليجية، فهم أبناؤنا الأوفياء لنا، لا مخاوف من تجنيس هؤلاء بل ذلك ما تحتمه المصالح العليا للوطن. وقد اعتمدت كافة التشريعات العالمية معيار الدم وجعلته حقاً مشتركاً للأبوين، بدليل أن الأجنبي لو تزوج مواطنة في أية دولة من دول العالم، فإنه يكتسب هو وأولاده جنسيتها، فلماذا نحرم الأم الخليجية من حق تتمتع به كافة نساء الأرض؟! ولماذا تبقى مواطنتها منقوصة؟! الخليج أكبر منطقة "معولمة" ومنفتحة على العالم، وقد تطورت تشريعاتها لتواكب المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو اليوم يقود العمل العربي المشترك، فلماذا تبقى تشريعات الجنسية في دول مجلس التعاون مختلفة؟! ولماذا تفرق بين الأبوين في نقل الجنسية للأولاد؟ يبقى أن نشيد بالقرار الإماراتي التاريخي ونهنئ المرأة الإماراتية بهذا المكسب العظيم ونبارك لدولة الإمارات قيادة وحكومة وشعباً، باليوم الوطني، كما لا ننسى التنويه بجهود صحيفة "الاتحاد" التي طرحت قبل سنة سؤالاً توعوياً مهماً دعت فيه القراء للإدلاء برأيهم حول تجنيس أبناء المواطنات الإماراتيات على امتداد عدة شهور، وكانت النتيجة: عدد المؤيدين 95 في المئة كلهم مع التجنيس، مما يدل على وعي مجتمعي حقوقي عادل يتسم بتسامح عظيم. إن المخاوف التي يثيرها البعض من أن تجنيس أبناء المواطنة المتزوجة من غير المواطن قد يضعف "الهوية الخليجية"، هي مخاوف لا أساس لها، وهي منطلقة من موروثات تعصبية لا وزن لها في عالم سقطت فيه الحواجز بين البشر. فالخليج بالعولمة والانفتاح على الآخرين، أصبح أكثر قوة وأصبحت هويته أكثر رسوخاً، ثم إن ابن الخليجية المتزوجة من غير الخليجي لن يكون أقل ولاءً وانتماءً وإخلاصاً لوطنه وهويته. وإذا كنا نثير الفزع من أبناء المواطنة، فلنفزع أكثر من أبناء الأجنبية المتزوجة من المواطن، وهناك من يتذرع بأن الرجل وحده المختص بمنح الجنسية لأبنائه دون المرأة من الناحية الشرعية قياساً على النسب، وهذا قياس فاسد، النسب ثابت بحكم شرعي لا خلاف فيه، أما الجنسية فعلاقة قانونية بالدولة وهي تعطي هذا الحق بموجب القانون المنظم لمنح الجنسية، كما لا يوجد في الشريعة ما يمنع المرأة من منح جنسيتها لأولادها إذا رغبوا في ذلك ما دام النسب ثابتاً شرعاً للأب. وهناك من يعلل المنع بمعيار الدم باعتباره للرجل وحده، وهذا وهْم، لأن "معيار الدم" حق مشترك بين الوالدين، والأم لها دور مساو للأب بل أكبر لأنها تنقل الموروث الاجتماعي وترضع مشاعر الولاء والانتماء وحب الوطن في نفوس أطفالها. وهناك من يتعلل بالموروث الاجتماعي الذي يعطي حق السيادة للرجل على المرأة، لكن المجتمع الخليجي اليوم تجاوز هذا الموروث بعد أن أصبحت الخليجية وزيرة وقاضية وشريكة في بناء المجتمع وإدارته.